ســــــــــــــــــــــــــــ الساهر ـــــــــــــــــــــــــــلام
سمحوني كاني عسلت عليكم
بس عجبني الكلام فحبيت اتشوفوه
يعني كلام حلو جدا
نجحت قيادة عائلة سيف النصر ليس فقط في توحيد قبائل أولاد سليمان من حولهم بل أكبر من ذلك وهو ترسيخ علاقات أخوة موثوقة متينة مع القبائل الأخرى في نظام تاريخي أصيل كان له دور في دفع المستبدين و الغزاة.
بعد انهيار الدولة العثمانية أتى الإيطاليون الي ليبيا و كانوا في البداية يميلون الى المسالمة بدلا من الحرب. بعد أكثر من عشر سنوات من غزو ليبيا صعد الحزب الفاشي للحكم في إيطاليا و أرسل الدكتاتور موسوليني آلة الحرب الى ليبيا و كان من أهدافه تجنيد الليبيين كوقود لأحلام إمبراطوريته. ليس أمام الليبيين إلا خيار المقاومة. كان على خريطة العمليات العسكرية ثلاث محاور: محور المنطقه الشرقية في الجبل الأخضر و محور منطقة الوسط الصحراوية الواسعة و محور منطقة الجبل الغربي، وكان البيّ أحمد سيف النصرمن أكثر الرجال الذين تخشاهم إيطاليا في صحاري ليبيا.
قبل التمهيد للمواجهة العسكرية كان أحمد سيف النصر يخوض من أكبر المعارك المستترة ليس فقط التجهيز للمعركه بل تجميع شتات الليبيين.
كان العقيد "ميامي" الذي يدير عملياته من سرت و المخصص لمواجهة محور الوسط ينشر الفتن و يزرع عصابات النهب بين القبائل بينما يقوم البيّ أحمد سيف النصر بعمليات الربط الكبرى: من التحالف مع جيش السنوسية في الشرق و حشد الدعم من الرجال و الأبل و الأموال من قبائل الوسط و الغرب. كان أحمد سيف النصر يخطط للمواجهه في وادي سوف الجين قرب بني وليد و بالقرب من قبائل الغرب مثل أولاد أبوسيف و الزنتان و مزده و الجبل الغربي لأنه كان يدرك مكامن القوة البشرية و الجغرافية، لكن العقيد ميامي" كان يخشى هذا الأستراتيجية و يخطط للمعركة في صحاري سرت المفتوحة و بعيدا عن قبائل الغرب و الأستفراد بقبائل أولاد سليمان مركز الثقل و ما حولهم حيث جرت معركة القرضابية.
كانت مصراته جانب مؤثر و كانت تحت زعامة رمضان السويحلي الذي كان هو أيضا يخطط للمقاومه غير أنه لم يستطع التحالف لا مع أحمد سيف النصر و لا مع السنوسية و لا حتى مع بني ليد أقرب المناطق اليه.
تمت السيطرة على ليبيا و هاجر أغلب الليبيين و أستمرت المقاومة من الخارج. بعد إستقلال ليبيا رجع أولاد سليمان من هجرتهم، و دائما كانت قيادتهم عائلة سيف النصر الذين أستقروا في فزان و أتخذوا من سبها إدارة الولاية.
نصر حتى النهاية
جهاد أحمد سيف النصر
ولد السيد أحمد سيف النصر بمدينة سرت سنة 1877م وهو من قبيلة أولاد سليمان كبرى القبائل في وسط ليبيا، وقد عقدت قبائل الوسط "سرت" والجنوب "فزان" لواء الزعامة لعائلة سيف النصر التي قادت الجهاد ضد الغزو الإيطالي منذ بداية محاولات الطليان الأولى احتلال وسط ليبيا
وتعتبر مدينة سرت من المواقع البالغة الأهمية حيث تحتل موقعا متوسطا يجمع بين الشرق والغرب، وفي نفس الوقت تعتبر البوابة التي يمكن لمن يسيطر عليها النفاذ إلى المناطق الداخلية بفزان، ويمكن اتخاذها قاعدة للإنطلاق إلى الواحات التي تقع إلى الشرق والجنوب.
قام الإيطاليون باحتلال مدينة سرت مسقط رأس السيد أحمد سيف النصر في31 من ديسمبر 1912م، واستطاعت تلك القوات أن تعتقل جميع أبناء سيف النصر وكان من ضمنهم السيد أحمد وابنه، ونقلتهم القوات الغازية إلى أحد السجون بمنطقة زوارة، وكان ذلك أسلوبا اتخذته السلطات الإيطالية ضد زعماء قادة الجهاد للضغط على مناطقهم وعائلاتهم حتى تتوقف حركة المقاومة ضد الاحتلال، وتتم السيطرة على كامل التراب الليبي.
حيلة طريفة
وفي حديث حول المجاهدين من قبيلة اولاد سليمان والمناطق الجنوبية تراخوا في التعرض لللقوافل والحاميات الايطالية بعد اسر السيد أحمد سيف النصر وأشقائه وابنه خشية الانتقام منه ومن اشقائه وطمعا في اطلاق سراحهم، غير ان احد الرجال الحكماء المحنكين كان معروفا بمقارعته للعثمانيين في شبابه اشار عليهم بعكس ما كانوا يرونه ونصحهم بزيادة التعرض للقوات الايطالية ومهاجمتها وقطع الطريق على امداداتها، واتفق مع احد ابناء عمومة سيف النصر بأن يتحرك من سرت إلى الجنوب مثيرا شبهة التحاقه بالمجاهدين حتى يقع في قبضة السلطات الايطالية وعندها يعترف لهم بأنه يحمل رسالة من رؤساء القبائل تتضمن تعهد لقبيلة أولاد سليمان بأنها لن تهدأ وتستكين حتى يتم اطلاق سراح احمد سيف النصر وإخوته، واستخدم الايطاليون ذكاءهم بعد القبض على ذلك المجاهد وبلغتهم النصيحة، فأطلقوا سراح السيد احمد سيف النصر واشقائه بعد ان قضوا في سجنهم ستة اشهر واعتقد الايطاليون أن السيد احمد سينفذ شروطهم بالعمل على وقف التعرض للقوات الايطالية وتهدئة الجنوب، وهكذا نجحت حكمة ذلك الرجل المحنك، وخرج الاشقاء ليوقدوا الرمال نارا تحت اقدام الغزاة.
بين نجوع فزان
بعد عودة السيد احمد سيف النصر واشقائه إلى سرت توغلوا إلى الجنوب ليلتحقوا بخط الجهاد في فزان ولتبدأ مرحلة اشتعال الثورة الشاملة التي قادت إلى انحسار الاحتلال والتقوقع في مدن درنة وبنغازي والخمس وطرابلس، وكأنما كان المجاهدون على اتفاق في بدء الثورة على مدى انتشار المدن والقرى الليبية للانقضاض على حاميات الايطاليين وجحافلهم وقوافل امداداتهم.
وكان العقيد "مياني" قد قام على رأس قوة من الجيش الايطالي بعد ان اتخذ من سرت منطلقا للزحف على الجنوب باحتلال "سوكنة" وتحرك منها إلى "براك" عبر جبل "السودة" بعد مواقع كثيرة أشهرها معركة "الشب" وّاشكده" ثم "محروقة" التي خسر فيها المجاهدون أحد اصلب القيادات العسكرية العنيدة وهو عبدالله البوسيفي، ثم استولى على سبها في 17 من فبراير 1914 ثم مرزق.
ولكن هل اطمأن العقيد "مياني" باحتلاله لكل تلك المناطق؟
اذكاء المقاومة
لقد كان المجاهدون بقيادة عبدالجليل الابن الاكبر لسيف النصر، واحمد سيف النصر مع قبائل اولاد سليمان يشكلون نواة جيش "الجفرة" وذلك بالاضافة إلى القذاذفة والمغاربة وأهالي القبلة من ورفلة والزنتان والرجبان والمشاشة وأولاد بوسيف الذين نزحوا إلى مناطق سرت وزلة والجنوب، وتم وضع خطة تمكن هذه القوة من اذكاء نار الثورة في "واو" ومناطق من سرت لتشتيت قوات العقيد "مياني" حتى يمكنها تحرير سبها والانطلاق منها إلى بقية الواحات والمدن، ونجحت خطة المجاهدين فقد قام "مياني" على رأس قواته في براك بحملة تأديبية عند الشاطئ، وعندها نفذ المجاهدون خطتهم في مهاجمة قلعتها المشهورة "القاهرة" بمساعدة الحرس الفزاني الذي كان "مياني" قد جنده للاستعانة به، فاضطر إلى الانسحاب إلى "هون" و"ودان" متوجها إلى "سوكنة"، وبذلك نفذت المرحلة الاولى، وتم تحرير سبها، وبدأ السيد احمد سيف النصر التخطيط للمرحلة الثانية.
البشائر تتوالى
في الوقت الذي لا زالت فرحة الانتصار تداعب النفوس في سبها جاءت البشائر بأن الحاميات الايطالية في "غاتّ و"أوباري" و"مرزق" اصبحت معزولة بل إن المجاهدين من قبيلة الطوارق أبادوا حامية اوباري وأن العقيد "مياني" اضطر إلى ارسال فيلق من سوكنة لانقاذ حامية مرزق التي سقطت في قبضة المجاهدين، وفي هذا الجو المتفائل ارتفعت الروح المعنوية لدى المجاهدين فقرروا البدء في تنفيذ المرحلة الثانية فليس هناك خير من هذه الظروف التي تدنّت فيها معنويات القوات الايطالية، واصبحت حامياتهم تتساقط واحدة بعد الاخرى، وبدأ الاستعداد لملاحقة مياني الذي ما لبث ان اخلى "هون" و"ودان" وسار متوجها إلى "سوكنة"، وذلك اثر الاخبار التي جاءته بها استطلاعاته عن تحرك المجاهدين في اتجاه المدينتين، وسارع السيد عبدالجليل الابن الاكبر لسيف النصر إلى قطع الطريق على قوة "مياني" قبل سوكنة حيث جرت معارك شرسة وضارية في "الحشادية" و"تالة" وانهزم "مياني" تاركا جثث قتلاه بالاضافة إلى مجموعة من المدفعية، كما تم اسر ثلة من الضباط في حين انطلق مع القوات الباقية إلى ابونجيم حيث ترابط حامية ايطالية كبيرة.
أحمد سيف النصر يسعى لأسر مياني
أبو نجيم موقع في شرقي مصراته يحتل مكانا هاما لاجراء كافة العمليات الحربية حيث يعتبر نقطة وصل بين المناطق الشرقية من مصراته وصحراء سرت وبين الجفرة والجنوب. ولهذه الاهمية الاستراتيجية اتخذها الايطاليون قاعدة لعملياتهم نحو الجفرة وفزان، وقد أدرك المجاهد الشاب احمد سيف النصر اهمية تحرير هذا الموقع وتخليصه من القوات الغازية، وفي المجلس الذي انعقد للبحث في شؤون الجهاد طلب احمد سيف النصر ان يتولى قيادة المعركة التالية وحده، ولم يفصح لجنوده على نيته في اذاقة ذلك الكولونيل المتعجرف طعم الاسر وذل الاعتقال بعد ان شرب من كأس الهزائم واحدة تلو الاخرى، وكان من يمن الطالع على السيد احمد سيف النصر ان انضم عدد من المتطوعين الجدد إلى المجاهدين بعد ان تحركت فيهم الغيرة الوطنية وبعد ان هزتهم انتصارات المجاهدين، وكانت خطته تقتضي تقسيم المجاهدين إلى فريقين، قوة سريعة مكونة من 200 رجل تنطلق إلى ابونجيم في الظلام لترابط عند الليل قرب القلعة وتموه تحركها حتى لا يشعر بها العدو، وتقوم المجموعة الثانية بالاستيلاء على كافة الابل التي تعتبر واسطة نقل العدو، ثم تقوم المجموعة الليلية بالغارة على القلعة ومحاصرتها مع ترك مجال وحيد نحو جهة الابل لفرار الجنود، وفي تلك الاثناء تتحرك الفرقة الثانية ويقع العدو فيما يشبه الكماشة، وكان أمل السيد احمد سيف النصر كبيرا في النصر وأسر عدوه وكادت تتحقق أماني القائد الشاب وتمكن من حصار العقيد "مياني" لولا أن أحد أفراد مفرزة الحماية المكلفة برعاية الابل تمكن من الفرار واللجوء إلى القلعة بعد ان قضى المجاهدون على المفرزة.
العقيد مياني ينفذ بجلده
درس مياني الموقف في عجل بعد ان بلغه اصرار المجاهدين على محاصرته واتضحت له الصورة من وصف جندي مفرزة الحماية فقد كان من الواضح انه ليس هناك مفر من التراجع والفرار، وإلا يقع أسيرا في يد اسيره بالأمس.
داس "مياني" على كبريائه العسكرية التي مرغها في رمال الصحراء، هذا الشاب الطائر على جواده والذي كان اسيرا بين يديه منذ ثلاث سنوات، وهاهو اليوم يضرب عليه حصارا برجال لا يعرف الكل ولا المل ولا الخنوع إليهم سبيلا.
اضطر مياني إلى اصدار امر بالانسحاب السريع إلى طريق ورفلة _ طرابلس بعد ان فقد وسائط النقل وامر بتدمير الذخيرة والمؤن والمعدات، وأفلت "مياني" بسبب انكشاف الخبر، ووصل إلى مصراتة في 25 من ديسمبر 1915م، في الوقت الذي انشغل السيد احمد سيف النصر بجمع الذخيرة وتأمين البنادق والمؤن الكبيرة التي غنمها والتي سيكون لها اثرها فيما بعد في معركة القرضابية الفاصلة، حيث تلتحم قوات المجاهدين من شرق وغرب ووسط وجنوب ليبيا، والتي تنتهي فيها اسطورة العقيد "مياني"، وتنتهي بها ايضا مرحلة الجهاد الاولى (1915) لتعود مرة ثانية فيما سمي باستعادة المناطق المستعمرة.
معارك الاستعادة
وبعد معارك مريرة استطاعت القوات الايطالية سنة 1929 مطاردة قوات احمد سيف النصر حتى حدود تشاد، وبعد ان سيطر الايطاليون على منطقة فزان لجأ السيد احمد سيف النصر إلى تشاد حيث بقي هناك إلى ان اندلعت الحرب العالمية الثانية، وبعد التشاورمع الامير ادريس _ الذي كان قد لجأ إلى مصر _ استقر الرأي على التحالف مع قوات فرنسا الحرة، والاشتراك معهم في تحرير فزان، وحينما زحفت القوات الفرنسية على فزان كانت قوات السيد احمد سيف النصر في المقدمة وبعد جولة من المعارك الضارية تم تحرير فزان وطرد الايطاليين منها.
حينما ارسلت الامم المتحدة بعثة برئاسة السيد (أدريان بلت) إلى ليبيا للاطلاع على رغبة شعبها وآرائهم في مستقبل بلدهم، مارست فرنسا ضغوطا على السيد احمد سيف النصر لكي يبلغ البعثة برغبة فزان في الاستقلال عن ليبيا وتعهدت له بأن تقيم له امارة خاصة به في كامل منطقة فزان، ولكن السيد احمد سيف النصر رفض ذلك وصمد امام كل الضغوط والاغراءات بل والتهديدات، وفي مقابلته مع السيد (أدريان بلت) قال قولته الشهيرة التي ذهبت مثلا: "لو إن لي عرقا لا يخلص لليبيا وللأمير السنوسي لبترته".
بعد حصول ليبيا على استقلالها اصدر الملك مرسوما ملكيا بتعيين السيد احمد سيف النصر واليا لولاية فزان وظل يشغل هذا المنصب إلى ان انتقل إلى رحمة الله تعالى سنة 1954م
الله يرحم اجدودنا الابطال
ســـــــــــــ الساهر ـــــــــــلام